skip to Main Content
الجمعية الشرعية بالمحلة الكبرى

المنهج الدعوي الإسلامي وثقافة الحوار

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه ومن نهج نهجه واهتدى بهداه أما بعد.

فإن حديثي اليوم سيكون حول قضية عصرية محورية منشودة نؤصل لها حتى تكون على أرض الواقع موجودة، وذلك التأصيل من خلال كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى : {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل125].

لا شك أن حسن الأدب في الحوار والإقناع واتساع صدر الآخر لبيان الصواب أو الأصوب، إن ذلك دليل على معان سامية عالية منها: حسن الظن بالآخر، وآدب الحديث، وسلامة الصدر، واستخدام القول السديد، واحترام الآخر، وتأليف القلوب، ومعاملة الناس على قدر الاستيعاب، والتواضع، وتنزيه النفس من الانتصار لها إلَّا ما كان لله، ومنها محبة الخير للمسلم، كل ذلك دلالة وعلامة وبرهان على حسن الخلق.

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : “اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق؛ لا يقي سيئها إلا أنت”، رواه النسائي وغيره بسند صحيح.

وكان يستعيذ بالله من منكرات الأخلاق فكان من دعائه: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاقِ وَالأعْمَالِ وَالأهْوَاءِ”، ومدح الله نبيه  بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : “إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ” قالوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قال: “الْمُتَكَبِّرُونَ”.

ومن الآيات الدالة على هذا الانطلاق قوله تعالى: {وَلَا تُجَـٰدِلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوۤا۟ ءَامَنَّا بِٱلَّذِیۤ أُنزِلَ إِلَیۡنَا وَأُنزِلَ إِلَیۡكُمۡ وَإِلَـٰهُنَا وَإِلَـٰهُكُمۡ وَ ٰ⁠حِدࣱ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ}.

وهناك أكثر من مائة ٱية تدل على التسامح ونبذ العنف، ومن ثَمَّ فإن الحوار والتسامح من القيم الأكثر شيوعا لدى الناس هنا وهناك، فالحوار والبحث عن المساحات المشتركة ونبذ الخلاف في المنهج الدعوي الإسلامي ليس مجرد شعار يرفع، أو جملة جميلة ينمق بها الخطاب أو يرصع بها الكلام، كما هو الحال في الحوارات بين الفرقاء في مختلف الميادين.

ولم يكتسب الحوار وقبول الآخر في أي عهد أهمية كأهميته الحالية، ولا كانت ثقافة الحوار ضرورية كضروريتها الآن، يصدق هذا على الحوار وقبول الآخر بين الشعوب المختلفة كما يكون أشد ضرورة وإلحاحًا حين يتصل الأمر بالحوار بين أبناء الشعب الواحد، وقبول بعضهم للبعض الآخر، وليس الاحتقان والانقسام السائد الآن كما نرى ونسمع.

إن المنهج الدعوي الإسلامي يحمل البلسم الشافي لكل مشاكل العالم، ولكل فرد من أفراد المجتمع الإنساني.

ما أحوج الخطاب الاسلامي اليوم لأن يكون خطابا منفتحًا على الآخر، لأن أزمتنا -نحن المسلمين- مع الآخر المختلف عنا دينيًا تكمن في الخطاب الذي يتبناه بعض الدعاة إلى الإسلام، فيصدرون به العنف والكراهية إلى الطرف الآخر، دعك من الحكومات الغربية المتأثرة بسياسات اللوبي الصهيوني، والمتخذة موقفًا مسبقًا من الإسلام، الحوار ينبغي أن يكون مع الشعوب ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث المحايدة، وهذا بالتحديد ما يفعله الدعاة المخلصون وأصحاب المنهج الاسلامي الوسطي.

فهناك اليوم حوالي 180 دولة و600 مجموعة لغوية و5000 مجموعة عرقية في العالم، ويوجد القليل جدا من البلدان التي يتكلم فيها المواطنون بلغة واحدة ويرجعون إلى المجموعة العرقية نفسها، وهذا التنوع الاجتماعي والسياسي، والثقافي والديني يحمل بذور الخلاف والصراع، وهذه الخلافات الكامنة المستعدة للانقلاب إلى صراعات؛ وضعت في كثير من البلدان أسئلة وشكوك كثيرة حول الموجه الحقيقي للحياة المعاصرة، وقد أصبحت الصراعات العرقية والثقافية أبرز مصدر للعنف السياسي، كل هذه المشاكل تهدد مستقبل المجتمعات البشرية، لذا أصبح من الضروري إنشاء أسس  ثقافة التسامح وتقبل الآخر بشكل عاجل، بحيث تكون أوسع وأشمل من الموجود حاليًا.

والسؤال: أين -هنا- دور المنهج الاسلامي الدعوي كمنهج عالمي، يحمل حضارة انسانية؟؟ أليس فيه حل لكل هذه النزاعات والصراعات الطائفية والعرقية سواء بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم من الأمم والثقافات.

وعلى هذا الأساس وانطلاقًا من الشعور بمسئولية التبليغ وإعلاء صوت الحكمة والسلم وإرساء قواعد ثقافة التسامح والرحمة التي يتحلى بها الإسلام أحس الأزهر الشريف ضرورة وواجب أن يكون هناك مجال ثقافي لا يعترف بمنطق الحدود الجغرافية، ويشتغل بفلسفة التواصل الإنساني.

ولأن الأقربين أولى بالمعروف، وفاقد الشيء لا يعطيه، فقد بدأ الأزهر الشريف بتبني ثقافة الحوار داخليًا أولًا وخارجيًا ثانيًا، في ظرف دقيق تعالت فيه النعرات الأيدولوجية والشعارات السياسية فكان الأزهر الشريف ولا يزال عنصر اتزان وصمام أمان لمصرنا المحروسة إن شاء الله تعالى.

فقد أتاحت للأزهر الشريف ثقافته الواسعة، وتبحره في علوم الدين وعلوم العصر، أن يخاطب مختلف الشرائح الاجتماعية، بما في ذلك المثقفين وأصحاب التيارات المتباينة، ودخلوا في حوارات ومراجعات من أجل تصويب أرائهم وتصحيح مساراتهم السابقة، ولا يزال الباب مفتوحًا لإيماننا العميق أن الأفكار التي تواجه بالأفكار سيزول عن الساحة المنحرف منها ويبقى السديد الرشيد.

وهكذا يدرس في أروقتنا الأزهرية الرأي والرأي الآخر، وينتشر منهجنا الدعوي بقاعدة ليأخذ المستقيم بيد السقيم.

إن ثقافة الحوار تستقى من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهي تستند إلى أربع قواعد أساسية:

  • توافق قواعدها مع هدف الخلق، وهو العبودية.
  • أن يكون هدف الحوار هو تبليغ الرسالة الدعوية الإسلامية.
  • اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار على مبدأ الشورى.
  • التأكيد على الحوار بسبب عالمية الرسالة الإسلامية، ودعوته التي تشمل العالم كله.

     وأخيرًا أختم بقول  الداعية الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني: (فرحي بفلاحكم، وغمي لهلاككم، إذا رأيت وجه مريد صادق قد أفلح على يد شبعت وارتويت واكتسيت وفرحت كيف خرج مثله من تحت يدي).

هذا شبعهم وريهم، لا في تأليف الكتب فحسب، والتي تكرر المعاني الواحدة.

العالم من كان داعية، أما مؤلف الكتب فحسب فنقول له ما قاله البعض:

لست والله عالمًا أو حكيمًا

إنما أنت تاجر في العلوم

 

الإسلام اليوم لا يحتاج مزيد بحوث في جزئيات الفقه بقدر ما يحتاج إلى دعاة يتكاتفون.

اللهم وفقنا لحمل رسالة نبيك، واجعلنا أنموذجا لحسن الحوار بدعوتك، وتطبيقًا مناسبًا لسماحة منهجك.

وصلى اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى ٱله وصحبه وسلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Back To Top