أولاً: فضيلة الدكتور/ محمد سعيد أحمد عبدالرحمن (الدكتور سعيد):
يُعدُّ الدكتور سعيد (كما كان مشتهراً بين الناس بذلك الاسم)، الذي كان يعمل كطبيب أسنان؛ المؤسِّس الأول للجمعية الشرعية بالمحلة الكبرى.
وُلد الدكتور بالمحلة الكبرى في العاشر من شهر يناير لعام 1910م، وكان قد نشأ -رحمه الله- في بيئة أرستقراطية موسرة، فهو من أعيان المحلة الكبرى، و لكنه لم يستسلم لحياة الدعة والرفاهية، وزمَّ نفسه بخطام الكتاب والسنة، بعدما تربى على يد الشيخ/ محمد عيسى -رحمه الله-.
نَذَرَ الدكتور نفسه وماله من أجل نشر السنة، و العمل ليلاً نهاراً في سبيل ذلك، حتى عرف منذ الخمسينات في شوارع المحلة بمظهره المميز: ثيابه البيضاء، وعمامته، ولحيته 0الكثة.
وكما اشتُهر الشيخ بسمته ومظهره، كذلك اشتُهر بحسن عبادته وصلاته، فعُرف عنه إطالة الصلاة، وإعطاؤها حقها من التجويد والإتقان، حتى قال عنه أ/ أبو الحسن الندوي في كتابه (سياحات في الشرق): “قابلت صاحب أطول صلاة في العالم“!
كذلك كان -رحمه الله- قدوةً لمن حوله في الجهاد بالنفس، كما علمهم الجهاد بالمال، فشارك في حرب (1948)، وأُصيب على أرض فلسطين برصاص اليهود في فخذه، وظلت إصابته معه حتى وفاته، وسافر كذلك إلى أفغانستان طمعاً في الانضمام إلى صفوف المجاهدين من الأفغان في قتالهم ضد الملاحدة.
وإسهاماً منه في محاولة تغيير واقعه، وإصلاح مجتمعه، وتماشياً مع الطريقة السائدة للإصلاح في وقته؛ دخل الدكتور مجلس الشعب عام (1987م) في انتخابات مشهورة، و كان أول من أذَّن بمجلس الشعب أمام الرئيس (السادات)، ونادى بتطبيق الشريعة الإسلامية.
ومع هذه الانشغالات؛ لم تخلُ اهتمامات الشيخ من تحسين الناحية التعليمية في مجتمعه المحلي، فأسهم بدور كبير في إنشاء ست حَضَانات، ومدرسة ابتدائية، وأخرى إعدادية، وكان كثيراً ما يدعو الشباب إلى التفوق في الدراسة، ويحثهم على الحصول على أعلى التقديرات.
على صعيد التواصل العلمي: كان للدكتور -رحمه الله- علاقةٌ جيدة بكل علماء عصره؛ مثل: الدكتور عبدالحليم محمود، الشيخ عز الدين فريد، الشيخ محمود فايد، الشيخ عبداللطيف مشتهري، الشيخ طه عفيفي، الدكتور عيسى عبده، وغيرهم، وكان الدكتور يستضيفهم لإلقاء محاضرات جماهيرية في الحديقة المواجهة لمجلس المدينة بشارع البحر.
وإسهاماً منه في تنشيط الجانب الدعوي: أنشأ الدكتور جيشاً من الدعاة يجوبون مساجد الجمعية الشرعية بالمحلة و خارجها، وألزمهم بالسمت الحسن، والزي الشرعي؛ فكانوا كالشامة بين الناس.
بعد هذا العطاء المتواصل، والسعي الدؤوب؛ أسلم الدكتور الروح إلى بارئها، وغادر دنيانا بجسده، بعد أن ترك أعمالاً تُخلِّد سيرته وذكراه، فكان رحيله فجر يوم الاثنين، الرابع عشر من شهر ذي الحجة، لعام 1412هـ، الموافق الرابع عشر من شهر يونيو 1992م.
ثانياً: فضيلة الشيخ/ عبدالرحمن سيد أحمد عويعة:
إذا كان عصر الدكتور سعيد كان عصر النشأة والتأسيس، فبإمكاننا أن نقول أن عصر الشيخ عبدالرحمن كان عصر الازدهار والانتشار للجمعية وأنشطتها بالمحلة.
وُلد الشيخ بمدينة ميت غمر، التابعة لمحافظة الدقهلية، في يوم الحادي والعشرين، من شهر أغسطس، لعام 1929م.
تخرّج من كلية التجارة، شعبة إدارة أعمال، سنة 1956 م، ثم تلَّقى دورات في الإدارة العليا من ألمانيا الغربية واليونسكو، وعمل رئيساً لقطاع التدريب المهني بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ثم رئيساً لقطاع السجاد و المفروشات بنفس الشركة، مما أكسبه قدرة على القيادة واتخاذ القرارات، وتحمل الأعباء والمسؤولية.
التحق الشيخ عبدالرحمن بالجمعية الشرعية أثناء عمل الدكتور سعيد رئيساً لها سنة 1956 م، ثم اُختير سكرتيراً للجمعية، وظل في هذا المنصب إلى أن آلت إليه رئاسة الجمعية الشرعية سنة 1989م، وذلك قبيل وفاة الدكتور سعيد بثلاث سنين، إذ كان أُصيب بمرض استدعى مكثه في بيته إلى وقت وفاته، رحمه الله.
ازدهرت الجمعية -كما تقدَّم- في عهده، وأينعت ثمارها، وتكاثرت مشاريعها، فعلى صعيد العمل الدعوي: بلغ عدد المساجد التابعة للجمعية الشرعية التي بُنيت في عهده (119) مسجداً، وعلى صعيد العمل الخيري الاجتماعي: أُنشئت في عهده (9) حضَانات، و(9) عيادات خيرية، وأُنشئت كذلك مستشفى رب الحرمين، ووُضعت لبنة البناء للصرح العظيم: مستشفى القدس الشريف بالمحلة الكبرى، كما كان -رحمه الله- أول من بدأ مشروع كفالة الطفل اليتيم بالغربية؛ لذا فلا غروَ بعدها أن يشتهر بين الناس بلقب: (أبو اليتامى).
وقد اُختير الشيخ عبدالرحمن ليكون رئيساً لبعثة الحـج الرسميــــة عن محافظة الغربية لمدة 20 سنة متصلة.
بعد هذا الأثر الحسن الذي تركه الشيخ، والحياة الحافلة بالعمل والعطاء، غادر دنيا البشر، قادماً على ربه تبارك وتعالى، في أيام مباركة من شهر رمضان المبارك، وتحديداً يوم الأربعاء، التاسع عشر من شهر رمضان، لعام 1430 هـ، الموافق التاسع من شهر سبتمبر لعام 2009 م.
ثالثاً: فضيلة الدكتور/ حاتم عبدالرحمن سيد عويعة:
وُلد الدكتور يوم الحادي عشر، من شهر مارس، لعام 1961م، في بيت والده الشيخ عبدالرحمن عويعة، المؤسس الثاني للجمعية، فتأثر بحياة والده، من العبادة، وحب العطاء وخدمة الناس، والجد في العمل، وترك التراخي والكسل.
تخرَّج الدكتور من كلية الهندسة، عام 1984م ، وحصل على درجة الماجستير عام 1992م، ثم درجة الدكتوراه عام 1996م.
عمل الدكتور باحثاً بالمركز القومي لبحوث المياه حتى عام 2000م ، ثم عمل أستاذاً بقسم الهندسة المدنية، في كلية الهندسة، بجامعة الأزهر، وأستاذاً غير متفرغ (زائراً) بكلية الأرصاد والبيئة وزراعة المناطق الجافة، بجامعة الملك عبد العزيز، بجدة، في بلاد المملكة العربية السعودية.
آلتْ قيادة الجمعية إليه بعد وفاة والده الشيخ عبدالرحمن عام 2009م، فأخذ على عاتقه مهمة تطوير الجمعية، والاستعانة بكل ما هو حديث يتسق مع قيم الجمعية، ويحدو بها إلى التقدم في العمل والعطاء، مع متابعةٍ واستكمالٍ لما بدأه سلفه في المكان، ليتمم البناء من ناحية، ويُحسِّنه من أخرى، قدر المستطاع.
وقد واكبت بدايات رئاسته للجمعية أحداث 25 يناير، عام 2011م، فأعانه الله على أن يتخطي بالجمعية هذه الأحداث المتتالية، لتظل ثابتة على توسط أفكارها، واعتدال دعوتها، ومواصلة تحقيق أهدافها، غير مضيعة لما التزمت به منذ نشأتها، معلناً في كثير من أحاديثه ولقاءاته أن (الجمعية مستقلة، لا تذوب في أحد، ولا يستغلها أحد، وتقف على الحياد بين الفصائل الإسلامية العاملة، وعلى مسافة واحدة من الجميع، و لا تنحاز لفئة دون أخرى، ولا تنخرط في أي عمل سياسي).
وذلك عملاً منه بالحكمة القائلة: (لا تتولَّ ما كُفيت، ولا تُضيِّع ما وُليِّت).
وقد بدأ الدكتور منذ فترة متقدِّمة بــ: (حوكمة الجمعية)، وإعادة التنظيم المؤسسي لها ، في إطار خطته لتطوير الجمعية، والخطو بها إلى مصاف التحديث النافع.