لماذا: “وبشر الصابرين” 1
لماذا: “وبشر الصابرين”
لأنه أول الأمر وآخره.
ومثبت القلب وقالبه!
لأنه حادي المؤمن، ومبلغه، ومطية العلم والعمل.
وبه تُعرف طريق الاستقامة، وبسلوك دربه تُنال الإمامة.
يقول ابن تيمية -رحمه الله- :
“قد ذكر الله الصبر في كتابه كثيرًا، وقرنه بالصلاة في قوله: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }[البقرة: 45]”. وكذلك الصوم! هو قرين الصبر، ويبدو لي والله أعلم أن هناك سرٌ في اشتمال كلمات الصبر والصلاة والصوم على حرف الصاد، وهو حرف يتصف بالاستعلاء والصفير والشدة، وهي صفات تدور حول نفس المعاني المتضمَّنة في الألفاظ الثلاثة، فكأنها متضامنة في المعنى المراد وصوله لنا.
إننا نرى الصلاة والصوم يعتمدان على الصبر، ويقومان على ساقه، فكيف يتحمل المرء ترك طعامه وشرابه إلا لو كان صابرا؟! وكيف يتحمل الصلاة بمعانيها الحقيقية وليست المزيفة إلا لو كان من الصابرين؟!.
وفي معاني الصبر في القرآن تأتي تلك الآية الجامعة المانعة التي تجعل الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين، فيقول الحق جل وعلا: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ }[السجدة: 24] .
وأمامنا نقل طويل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يشرح فيه هذا المعنى باستفاضة فيقول: “فإن الدين كله علم بالحق، وعمل به، والعمل به لا بد فيه من الصبر، بل وطلب علمه يحتاج إلى الصبر، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه “عليكم بالعلم، فإن طلبه عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يُعرف الله وبه يُمجَّد، ويُوحَّد، يرفعُ الله بالعلم أقوامًا، يجعلهم للناس قادة وأئمة يهتدون بهم، وينتمون إلى رأيهم. فجعل البحث عن العلم جهاد، ولابد في الجهاد من الصبر، ولهذا قال تعالى:
{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }[ العصر] .
وقال تعالى:{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ } ثم قال { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }[ص: 41 – 44] .
فالعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، وضد الأول الضلال، وضد الثاني الغيّ.
فالضلال العمل بغير العلم، والغيّ اتباع الهوى، قال تعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}[النجم: 1- 2] .
فلا يُنال الهدى إلا بالعلم، ولا يُنال الرشاد إلا بالصبر.
ولهذا قال عليٌّ رضي الله عنه: ” ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا انقطع الرأس بان الجسد”، ثم رفع صوته فقال:
“ألا لا إيمان لمن لا صبر له”.
انتهى كلامه رحمه الله، والمعنى لا يحتاج مزيد بيان لكننا نحتاج لمزيد من التعمق في قضية الصبر ودلالات اللغة والشرع والآثار حول معاني الصبر، لكون هذه الأيام وتلك السنون التي نعيشها تحتاج لجبال من الصبر والتصبر والاصطبار حتى نلقى الله تعالى دون انحراف عن العهد الذي نعرفه والميثاق المأخوذ علينا، وهو حديثنا القادم إن كان للحديث بقية إن شاء الله.