مكابدة وعناء… لا يكاد ينتهي
مسكين من يظن أن سفينته تستطيع أن تبحر في نهر الحياة دون أن تواجه أمواجاً عاتية، أو أعاصير شديدة، بل وربما أحجاراً وشعاباً تترك أثراً في جسد السفينة!
هذا لا علاقة له بكونه براً أو فاجراً، طائعاً أو عاصياً، إنما بكونه فقط: إنساناً.
وإنما يختلف الطائع والعاصي، والبر والفاجر، في استقبالهم لتلك الحوادث، وتفاعلهم معها، أما النجاة منها= فلا سبيل إليه!
فاسترح أيها الباحث عن تلك الحياة التي بلا صخب ولا ألم، ولا تعب ولا سقم.
فوصولك إليها لا يكون إلا حينما ترسو سفينتك على شواطئ الجنة، وأما قبلها= فهيهات.
قال تعالى -بعد قسم أقسمه- : {لقد خلقنا الإنسان في كَبَدَ}.
أي: “في مكابدة ومشقة، وجهد وكد، وكفاح وكدح..” كما قال في السورة الأخرى: {يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ}.
في استقرار الخلية الأولى في الرحم، وتهيئة ما تحتاجه= كَبَدَ.
عملية التنفس الأولى، التي ينبيك عنها صراخ الطفل عند خروجه= كَبَدَ.
عند بروز الأسنان= كَبَدَ. وعند انتصاب القامة= كَبَدَ. وعند الخطو الثابت= كَبَدَ. وعند التعلم= كَبَدَ. وعند التفكر= كَبَدَ. وفي كل تجربة جديدة= كَبَدَ!
ثم تفترق الطرق، وتتنوع المشاق: هذا يكدح بعضلاته. وهذا يكدح بفكره. وهذا يكدح بروحه.
هذا يكدح للقمة العيش وخرقة الكساء. وهذا يكدح ليجعل الألف ألفين وعشرة آلاف.. وهذا يكدح لملك أو جاه، وهذا يكدح في سبيل الله.
هذا يكدح لشهوة ونزوة. وهذا يكدح لعقيدة ودعوة.
وهذا يكدح إلى النار. وهذا يكدح إلى الجنة..
والكل يحمل حمله، ويصعد الطريق كادحاً إلى ربه فيلقاه!
وهناك……..
يكون الكَبَدَ الأكبر للأشقياء. وتكون الراحة الكبرى للسعداء.
إنه الكَبَدَ طبيعة الحياة الدنيا، تختلف أشكاله وأسبابه؛ ولكنه هو الكَبَدَ في النهاية.
فأخسر الخاسرين هو من يعاني كَبَدَ الحياة الدنيا لينتهي إلى الكَبَدَ الأشق الأمرّ في الأخرى!
وأفلح الفالحين من يكدح في الطريق إلى ربه ليلقاه بمؤهلات تنهي عنه كَبَدَ الحياة، وتنتهي به إلى الراحة الكبرى: في ظلال الله.
جزاك الله خيرا يا شيخنا. ونفع بك
وجزاكم وجزى الكاتب مثله.